إسرائيل وحرب الإبادة الجماعية- تهجير الفلسطينيين هدفًا خفيًا

المؤلف: محمد مفتي09.12.2025
إسرائيل وحرب الإبادة الجماعية- تهجير الفلسطينيين هدفًا خفيًا

منذ انطلاق شرارة الحرب في السابع من أكتوبر عام 2023، وإلى غاية هذه اللحظة، لا تزال ترسانة القتل الإسرائيلية تنهمر يوميًا على بيوت الفلسطينيين العزل في قطاع غزة، تحصد أرواح العشرات منهم، وأغلبهم من النساء والأطفال الأبرياء. هذه الأيام تمر ثقيلة الوطأة، وما يقارب 600 يوم من القتال الضاري، قتلت إسرائيل خلالها ما يزيد عن 53 ألف فلسطيني من سكان القطاع المحاصر، ولا تلوح في الأفق أية تباشير لوقف هذا النزيف، بل على النقيض تمامًا، يجدد قادة إسرائيل في كل يوم عهدهم بالمضي قدمًا في حربهم دون كلل أو ملل، ولا تظهر أية إشارات تدل على قرب التهدئة.

عندما تفجرت الحرب، أعلنت إسرائيل أنها عازمة على اقتفاء أثر قادة حركة حماس والقضاء عليهم، وبالرغم من مصرع العديد من القادة البارزين، مثل يحيى السنوار ومحمد السنوار وإسماعيل هنية، بالإضافة إلى مقتل العديد من قادة حزب الله في لبنان، فإنه كان من المتوقع أن تظهر ملامح للتهدئة والكف عن ارتكاب الفظائع التي تقترفها هذه الدولة الخارجة عن القانون تجاه سكان قطاع غزة، إلا أنه على عكس ذلك تمامًا، فإن إسرائيل تتعمد اتباع سياسة التجويع والحصار المفروض على الشعب الفلسطيني كنوع من العقاب الجماعي لرفض سكان القطاع سياسة التهجير القسري.

وقد توصل قادة إسرائيل مؤخرًا إلى خطة شيطانية تبدو وكأنها محاولة لإكراه سكان قطاع غزة على مغادرة ديارهم، حيث أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن شروطها المشددة لإدخال المساعدات الإنسانية الضرورية إلى القطاع، والتي تشمل الغذاء والدواء، على أن تكون مراكز توزيع هذه المساعدات داخل مناطق محددة داخل القطاع وحرمان المناطق الأخرى منها، وهي تأمل في أن يدفع ذلك إلى هجرة سكانية قسرية إلى مناطق المساعدات، وهو ما يعني إفراغ مساحات شاسعة من القطاع من سكانها الأصليين.

هذه الوحشية الإسرائيلية المفرطة بدأت في إثارة موجة من القلق المتزايد في أوساط بعض الدول الكبرى، ومن بينها الولايات المتحدة (الحليف الاستراتيجي القوي لإسرائيل)، فالولايات المتحدة لديها أيضًا حلفاؤها الذين لا ترغب في خسارتهم، وقد وجه الرئيس الأمريكي ترمب مؤخرًا صفعتين مدويتين لإسرائيل؛ الأولى كانت وقف عملياته العسكرية ضد الحوثيين مقابل كف الحوثيين عن شن هجماتهم على السفن الغربية، وهو ما يشير إلى أن الولايات المتحدة لن تكون شريكًا مباشرًا في حربها ضد الحوثيين، والصفعة الثانية كانت تجاهل الرئيس ترمب خلال زيارته الأخيرة للمنطقة زيارة إسرائيل، وهي الزيارة التي كان يحرص على القيام بها الرؤساء الأمريكيون السابقون كدليل على الدعم والتأييد.

ما تصبو إليه إسرائيل من وراء هذه الحرب يتجاوز بكثير مجرد التخلص من حركة حماس؛ فإسرائيل تسعى جاهدة لإخلاء القطاع والضفة الغربية من سكانهما الأصليين وتهجيرهم إلى الخارج ليستقروا في دول أخرى، والشعب الفلسطيني يدرك هذا المخطط الخبيث بوضوح تام، وفي ظل صرخات الرفض القوية التي يطلقها الشعب الفلسطيني رفضًا لفكرة التهجير القسري، تقوم إسرائيل في المقابل بتوجيه نيران أسلحتها الفتاكة، لا لقتل قادة حماس كما تزعم، بل لقتل الأبرياء العزل من أبناء الشعب الفلسطيني.

نتنياهو يعتبر الزعيم الأكثر غرقًا في الدماء ورئيس الحكومات الإسرائيلية الأكثر خوضًا للحروب العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، فمنذ وصوله إلى سدة الحكم لأول مرة في عام 1996، كان واضحًا للعالم أجمع أنه الزعيم الأكثر تشددًا وتطرفًا في التعامل مع القضية الفلسطينية، وهو يسعى الآن بكل قوته للتخلص من السلطة الفلسطينية القائمة في الضفة الغربية، من خلال قصف البيوت وتدمير البنية التحتية وإطلاق العنان للمستوطنين المتطرفين لترويع سكان الضفة من الفلسطينيين، بل وتسليحهم لاستكمال مخطط التهجير القسري.

في كل يوم تطل علينا الحكومة الإسرائيلية بشروط جديدة لإنهاء الحرب، ثم تقوم بالمناورة لإفشال تنفيذ هذه الخطط، وفي اعتقادي الشخصي الراسخ، حتى لو عاد جميع الأسرى الإسرائيليين إلى ديارهم، فإن إسرائيل لن تتوقف عن مواصلة الحرب في الضفة الغربية وقطاع غزة، لأن مخططها الأساسي لتهجير الفلسطينيين هو المحرك الرئيس لحربها الشرسة ضد الشعب الفلسطيني، كما أنه من الواضح بجلاء أن دعوات التنديد والاستنكار العالمية الصادرة ضد إسرائيل لا تلقى أي صدى بين أعضاء هذه الحكومة المتطرفة، فآلة القتل المستمرة تهدف إلى تحقيق أهداف أبعد بكثير من مجرد استرجاع الأسرى الإسرائيليين.

لقد تخطت إسرائيل كل الخطوط الحمراء في حربها الضروس في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى حربها الشرسة ضد سوريا ولبنان، حتى أن مؤسسات الإغاثة الغربية لم تسلم من الهجمات الإسرائيلية التي أودت بحياة العديد من موظفي هيئات الإغاثة، وكأن إسرائيل ترفع شعارًا واضحًا وصريحًا مفاده "لا لإغاثة الشعب الفلسطيني"، وفي غمرة هذه الأحداث الجسام، يبدو المجتمع الدولي عاجزًا تمامًا عن ردع إسرائيل ووقف آلة القتل الممنهجة التي تحصد يوميًا العشرات بل المئات من الأبرياء، والحكومة المتطرفة في إسرائيل لا تُخفي جرائمها النكراء، بل على العكس تمامًا، هي تريد أن تصل صور ومشاهد هذه الجرائم المروعة إلى الشعب الفلسطيني لتذكيرهم بأنه لا مكان لهم في أرضهم، كما أنها تبعث برسالة واضحة إلى المجتمع الدولي مفادها أن مخططاتها الخبيثة لن تتوقف حتى يتم تهجير الفلسطينيين قسرًا من أرضهم.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة